الرؤية المقارنة في كتاب أسئلة البديع
عودة إلى النصوص البلاغية الأولى، للدكتور سعيد العوادي.
ويعد كتاب أسئلة البديع عودة إلى النصوص البلاغية الأولى الصادر عن المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات بمراكش() والذي يقع في140 صفحة تتوسطه لوحة دالة للفنان يونس هواري، حلقة أولى من سلسلة دراسات بديعية التي تتوخى إعادة الصلة بالتفكير النقدي عبر تفكيك المنجز البلاغي النقدي ومحاولة الوصول إلى ممارسة نصية ، والبحث عن اشتغال البديع من خلال نصوص نثرية وشعرية ، والانفتاح على الحجاج والربط بينه وبين الأسلوبية، وهي الرؤية التي انبثقت من الأطروحة الأكاديمية التي أعدها الباحث تحت إشراف الدكتور محمد زوهير بجامعة القرويين كلية اللغة العربية سنة 2008م.
ويهدف هذا الكتاب إلى دراسة البديع في جانبه البلاغي التنظيري ثم الانتقال إلى اشتغاله في النصوص عبر مسالك أسلوبية البديع والانفتاح الداخلي على التراث البلاغي وربطه بابستيمي فترة تشكله، وفي الوقت نفسه مساءلة هذا التراث المتسم بالرحابة والدقة التحليلية.
إن الانفتاح الواعي على مصنفات لها مركزيتها في التفكير البلاغي العربي نابع من أهمية هذا الوقع البلاغي الذي ساهم في انفتاح الدرس النقدي على روافد متعددة. ونقصد بذلك كتاب البيان والتبيين للجاحظ، والبديع لابن المعتز، و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، و"الموازنة بين أبي تمام والبحتري" للآمدي، و"الوساطة بين المتنبي وخصومه" للقاضي الجرجاني، وكتاب" الصناعتين" لأبي هلال العسكري، و"النكت في إعجاز القرآن" للرماني، و"إعجاز القران " للبقلاني.
أما كتاب البديع لابن المعتز فقد حاول طلب علم الشعر في حد ذاته بعيدا عن النظر العروضي والنحوي والإخباري الذي كان يهيمن على فترة القرن الثالث الهجري وما قبلها.غير أن ابن المعتز كان أقرب في بديعه إلى القدماء وابعد فيه عن المحدثين وهو ما تنبه له ابن رشيق.ويرى الباحث سعيد العوادي أن ابن المعتز لم يلتفت إلى تحليل الاستعارات وإجراءها عند الأمثلة القرآنية والحديثة وشواهد كلام الصحابة ، غير أنه كان يقف بين الفينة والأخرى عند الشواهد الشعرية مبينا استعاراتها، لأنها هي التي تهمه بالأساس ومن ذلك تعليق له على نتفة امرئ القيس:
وَليلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوله ُ
علَيَّ بأنواعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي
فَقُلْتُ لَهُ لمَا تمطى بصُلبه
وأرْدَف أعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
وقد قسم الباحث كتابه إلى مبحثين عنون الأول ب: إضاءات مدخلية ويضم في البديع: التعريف والتطور، والبديع وعلوم الأدب، والبديع وتلقي المحدثين، والتلقي التحسيني ، وترصيع البديع في البلاغة لمحمد طه هلالي، والصيغ البديعي في اللغة العربية لإبراهيم موسى، والتلقي التكويني، وتحليل الخطاب الشعري: البنية الصوتية للشعر لمحمد العمري، والبديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية لجميل عبد المجيد. في حين يتكون الباب الثاني من: البديع وسؤال الشعرية، و"البيان والتبيين" أو الشخصية العربية وقيمة البيان، ومن الغرابة إلى البديع، و البديع أو الاستعارة؟، والبديع بين هاجس التأصيل ومصطلح الشعرية، ومقصد التأليف، وبينية التأليف، والبنية الخارجية، والبنية الداخلية، ونقد الشعر" أو آليات تمييز الجيد من الرديء، والمادة البديعية وتصرفات النسق، والبديع والعناصر المفردة، والبديع والعناصر المركبة،والبديع وسؤال المفاضلة ، الموازنة بين أبي تمام والبحتري" أو تغليب الطبع على البديع، والبديع بين صاحب التمامي وصاحب البحتري، وأبو تمام ومساوئ البديع، " الوساطة بين المتنبي وخصومه" أو التماس العذر للمتنبي بالبديع، و البديع في كتاب الوساطة.في حين حمل محو البديع وسؤال المنهج مبحث" كتاب الصناعتين" والبديع المتسع للنظم والنثر، ومبحث الدرس البديعي في كتاب "الصناعتين". أما المحور الأخير الذي وسمه الباحث ب: البديع وسؤال الإعجاز فقد اختار أن يتكون من " النكت في إعجاز القران" نحو بلاغة الإعجاز في القران الكريم ،وبين بلاغة القران والبلاغة البشرية، وبلاغة القران لا بديعية، و(إعجاز القران) ونفي الإعجاز بالبديع، وظواهر البديع بين الإقرار والإنكار، وإعجاز القران لا يرجع إلى بديعه.
ويختم الباحث سعيد العوادي كتابه بأسئلة تجعل المتلقي ينفتح على أفاق جديدة للوقع الأدبي البلاغي الذي يشكل مكونا مهما من الهوية الأدبية العربية. وهو وقع يلح بحكم طاقته البلاغية والجمالية على المتلقي من أجل ضرورة الانفتاح لان التراث الحاضر بيننا والمساهم في تشكل المستقبل على نحو متفرد.
تعليقات
إرسال تعليق